في
الخميس 15 جمادى الثاني 1442 / 28 يناير 2021

جديد الخطب المكتوبة والرسائل
جديد الكتب
جديد الفتاوى
جديد الصوتيات

12-30-1439 04:14 PM

نَعِيمُ الْجَنَّةِ



الْحَمْدُ لله الَّذِي رَضِيَ الْإِسْلَامَ لِلْـمُؤْمِنِينَ دِينًا. وَغَرَسَ التَّوْحِيدَ فِي قُلُوبِهِمْ. فَأَثْمَرَتْ بِإِخْلَاصِهِ فُنُونًا. وَأَعَانَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِ هِدَايَةً مِنْهُ، وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَمُعِينًا.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا. الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا. وَدَاعِيًا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا. صلى الله عليه وسلم تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ..
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ. إِنَّ مِنْ مُقْتَضَى الْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ الْإِيمَانَ بِالْجَنَّةِ الَّتِي أَعَدَّهَا الله تَعَالَى لِعِبَادِهِ الْـمُؤْمِنِينَ. أَعَدَّهَا لِمَنْ مَاتَ مِنْ عِبَادِهِ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ [الْبَيِّنَةِ: 5] وَقَالَ: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴿130﴾ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الْبَقَرَةِ: 130-131]، فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْخَلَائِقَ قِسْمَانِ: سَفِيهٌ لَا أَسْفَهَ مِنْهُ، وَرَشِيدٌ. فَالسَّفِيهُ مَنْ رَغِبَ عَنْ مِلَّتِهِ إِلَى الشِّرْكِ. وَالرَّشِيدُ مَنْ تَبَرَّأَ مِنَ الشِّرْكِ قَوْلًا، وَعَمَلًا، وَحَالًا. فَكَانَ قَوْلُهُ تَوْحِيدًا وَعَمَلُهُ تَوْحِيدًا وَحَالُهُ تَوْحِيدًا وَدَعْوَتُهُ إِلَى التَّوْحِيدِ وَبِهَذَا أَمَرَ الله سُبْحَانَهُ جَمِيعَ الْـمُرْسَلِينَ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ حَيْثُ قَالَ الله تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴿51﴾ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ [الْـمُؤْمِنُونَ: 51- 52]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ [الزُّخْرُفِ: 45]
عِبَادَ الله.. إِنَّ الْـمَوْتَ عَلَى تَوْحِيدِ الْعِبَادِ لله وَالْإِخْلَاصِ لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ سَبَبٌ لِدُخُولِ جَنَّةٍ فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ الله –عَزَّ وَجَلَّ-: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» مِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الله: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السَّجْدَةِ: 17].
أَخْلِصُوا الْعِبَادَةَ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ لَعَلَّكُمْ تَفُوزُونَ بِدَارٍ يَقُولُ الله تَعَالَى لِأَهْلِهَا: «يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ. فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ. وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ. فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى يَا رَبُّ، وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ. فَيَقُولُ: أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبُّ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ]. أَسْأَلُ الله تَعَالَى بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْهُمْ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْهُمْ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
أَخْلِصُوا الْعِبَادَةَ لِلَّذِي خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَفُوزُونَ بِالْجَنَّةِ. «فَإِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُوَرُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، آنِيَتُهُمْ وَأَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمُ الْأَلْوَةُ وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سَاقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الْحُسْنِ. لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ. يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ].
أَخْلِصُوا الْعِبَادَةَ لله رَبِّكُمْ. لَعَلَّكُمْ تَفُوزُونَ الْخُلُودَ فِي دَارِ النَّعِيمِ فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «يُنَادِي مُنَادٍ. إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا. وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا. وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْتَئِسُوا أَبَدًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ: 43] [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
وَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ. فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا. فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ، وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا. فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَالله لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا؟ فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ، وَالله لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا».
وَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ خَيْمَةٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلًا فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ مَا يَرَوْنَ الْآخَرِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِ الْـمُؤْمِنُ».
عِبَادَ الله.. إِنَّ الْـمُؤْمِنَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَمَا أَعَدَّ الله فِيهِ لِعِبَادِهِ الْـمُتَّقِينَ مِنَ النَّعِيمِ الْـمُقِيمِ، وَالْفَوْزِ الْعَظِيمِ، يَعْلَمُ عِلْمًا يَقِينِيًّا لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا رَيْبَ، أَنَّ مَا سَمِعَهُ بِأُذُنَيْهِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مِمَّا ذَكَرَهُ الله تَعَالَى فِي كِتَابِهِ. وَمِمَّا صَحَّ عَنْ رَسُولِ الله ﷺ فِي سُنَّتِهِ. مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيُشَاهِدُهُ بِعَيْنَيْهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْـمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فُصِّلَتْ: 30].
اللَّهُمَّ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَعِذْنَا مِنَ النَّارِ. اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا عَلَى التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ وَأَعِذْنَا اللَّهُمَّ مِنَ الْـمَوْتِ عَلَى الْكُفْرِ، وَالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ...
أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَنَا عِلْمًا نَافِعًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاءِ. بَارَكَ الله لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْـمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لله وَفَّقَ الْعَامِلِينَ لِطَاعَتِهِ. فَوَجَدُوا سَعْيَهُمْ مَشْكُورًا، وَحَقَّقَ آمَالَ الْآمِلِينَ بِرَحْمَتِهِ فَمَنَحَهُمْ عَطَاءً مَوْفُورًا. وَقَبِلَ تَوْبَةَ التَّائِبِينَ فَأَصْبَحَ وِزْرُهُمْ مَغْفُورًا. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ..
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ: انْتَبِهُوا مِنْ غَفْلَتِكُمْ. وَتُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَاسْأَلُوهُ مِنْ فَضْلِهِ. فَهُوَ يَجِبُ أَنْ يُسْأَلَ. سَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ، وَحِلْـمُهُ عُقُوبَتَهُ وَعَفْوُهُ مُؤَاخَذَتَهُ لِمَنْ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ. فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ صِفَةِ الصِّرَاطِ الطَّوِيلِ إِلَى أَنْ قَالَ: «حَتَّى إِذَا فَرَغَ الله مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ الْـمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا. مِمَّنْ أَرَادَ الله تَعَالَى أَنْ يَرْحَمَهُ مِمَّنْ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ بِأَثَرِ السُّجُودِ تَأْكُلُ النَّارُ مِنِ ابْنِ آدَمَ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ. حَرَّمَ الله عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ. وَقَدِ امْتُحِشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ. فَيَنْبُتُونَ مِنْهُ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ. ثُمَّ يَفْرُغُ الله تَعَالَى مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ. وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ. فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا. وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا فَيَدْعُو اللَّهَ مَا شَاءَ الله أَنْ يَدْعُوهُ. ثُمَّ يَقُولُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ. فَيَقُولُ: لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ. وَيُعْطِي رَبَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاءَ الله فَيَصْرِفُ الله وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ.
فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى الْجَنَّةِ وَرَآهَا سَكَتَ مَا شَاءَ الله أَنْ يَسْكُتَ. ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ قَدِّمْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ. فَيَقُولُ الله لَهُ أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ لَا تَسْأَلُنِي غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيكَ؟ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ. فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ وَيَدْعُو اللَّهَ حَتَّى يَقُولَهُ لَهُ: فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ. فَيَقُولُ لَا وَعِزَّتِكَ. فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ.
فَإِذَا قَامَ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ. انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ أَيِ –انْفَتَحَتْ وَاتَّسَعَتْ- فَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ وَالسُّرُورِ. فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ الله أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ. أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ مَا أُعْطِيتَ؟ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ؟ لَا أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ. فَلَا يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ حَتَّى يَضْحَكَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْهُ. فَإِذَا ضَحِكَ الله مِنْهُ. قَالَ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ فَإِذَا دَخَلَهَا قَالَ الله لَهُ: تَمَنَّهْ. فَيَسْأَلُ رَبَّهُ وَيَتَمَنَّى حَتَّى إِنَّ اللَّهَ لَيُذَكِّرَهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الْأَمَانِيُّ. قَالَ الله تَعَالَى: ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ».
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَشْهَدُ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَوْلَهُ: «ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ».
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ».
عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ وَأَكْثِرُوا عَلَيْهِ مِنَ الصَّلَاةِ يُعْظِمْ لَكُمْ رَبُّكُمْ بِهَا أَجْرًا. فَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا».
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ، وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ صَاحِبِ الْوَجْهِ الْأَنْوَرِ وَالْجَبِينِ الْأَزْهَرِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَكَرَمِكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْـمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْـمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْـمُوَحِّدِينَ، وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْـمُسْلِمِينَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ وَهُدًى، اللَّهُمَّ وَأَصْلِحْ قُلُوبَهُمْ وَأَعْمَالَهُمْ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ. اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ، اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْـمُسْلِمِينَ وَالْـمُسْلِمَاتِ وَالْـمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَى التَّائِبِينَ، وَاغْفِرْ ذُنُوبَ الْـمُذْنِبِينَ، وَاقْضِ الدَّيْنَ عَنِ الْـمَدِينِينَ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى الْـمُسْلِمِينَ.... إلخ. بَقِيَّةُ ص (619).

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 2930


خدمات المحتوى
  • مواقع النشر :
  • أضف محتوى في Digg
  • أضف محتوى في del.icio.us
  • أضف محتوى في StumbleUpon
  • أضف محتوى في Google
  • أضف محتوى في Facebook


الشيخ/ عبدالله القرعاوي
تقييم
1.00/10 (7 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.